من أجل أجر أساسي أدنى مضمون ودولة مكرّسة للتضامن

الرهانات:

لا يمكن الحديث عن حريّة حقيقية بالنسبة لمن لا يتمتعون بمستوى عيش لائق ولا بالتعليم والتكوين. في تونس اليوم العديد من المقصيين، وذلك لعدة أسباب: الفقر المدقع، وغلاء المعيشة، والبيئة الاجتماعية المهمشة، والجهات المنسيّة، والمرض، والإعاقة. ويزيد حجم هذا الإقصاء إذا ما تجمّع أكثر من سبب واحد، أو إذا ما تدعّم بتمييز ثقافي: تمييز ضد المرأة أو ضد الأطفال أو حتى الكهول الذين يعانون من مشاكل أو الشباب الجانح أو كبار السنّ

ولقد حاولت الدولة التونسية منذ استقلالها محاربة الفقر، وتم تحقيق عديد الإنجازات في ذلك خاصة خلال الـ 25 سنة الأولى، لكن النسق كان بطيئا مقارنة بعدد من الدول الأخرى التي كانت في نفس مستوى الفقر كتونس فترة الاستقلال. ومن بين الأسباب الأساسية لذلك، عدم نجاعة عدد من آليات التضامن المعتمدة. فعلى سبيل الذكر، الصبغة الشمولية للدعم أثرت سلبا على نجاعتها. فالدعم الغذائي يستفيد منه مختلف الطبقات الاجتماعية والفاعلين الاقتصاديين وحتى زوّار بلادنا من الأجانب. حيث أنه وفق دراسة للمعهد الوطني للإحصاء، لا تتمتع الطبقات الاجتماعية الأكثر حرمانا إلا بنسبة 9.2 % من إجمالي المنح الغذائية، و60.5 % من هذه المنح موجهة للطبقة المتوسطة، و7.5 % منها للطبقة الميسورة، في حين أن 22.8 % منها يستغلها قطاع التجارة والصناعة وحتى بالنسبة للتهريب للدول المجاورة

ففي مجال الطاقة، يشمل الدعم أساسا سعر غاز البترول المسال (Gaz GPL) المعلب لفائدة العائلات وأيضا وقود الديزل (Gazole ordinaire) ذو درجة التلويث العالية. كما تدعم الدولة التونسية أيضا استهلاك الكهرباء والماء والنقل إضافة إلى مجالات الدعم الخفية في ظل نظام محاسبة عمومية مشتت، حيث تصرف الدولة ما بين 4 و5 % من ناتجها الداخلي الخام في مجال الدعم إذا كانت أسعار البترول في السوق العالمية معقولة، وترتفع هذه النسبة إذا شهدت هذه الأسعار ارتفاعا مشطا، خاصة وأن أغلب أوجه الدعم تخص سلعا وموادا يتم اقتناؤها بالعملة الأجنبية مباشرة أو بطريقة غير مباشرة

وفي المقابل، فإن الدولة التونسية، ومن خلال وزارة الشؤون الاجتماعية، تتولى الإحاطة بالعائلات المعوزة التي تبلغ حوالي 300 ألف عائلة من مجموع 2.3 مليون عائلة تعدها تونس خلال سنة 2019، مقابل 120 ألف عائلة تتمتع بهذه الإحاطة الاجتماعية قبل الثورة. حيث ارتفعت قيمة المنحة المسندة لها من 60 د قبل الثورة إلى 180 د سنة 2019، ويضاف لها 10 د عن كل طفل يدرس. وإن حجم الزيادة المسجلة في المنح، وخاصة من حيث عدد المنتفعين والتي كانت أعلى نسبة منها في فيفري 2011 تضع نقاط استفهام حول جودة الإحصائيات المنجزة خاصة وأنه تم تسجيل عديد الإخلالات التي أفرزت عدم مساواة بين المنتفعين.

وفي جانب آخر، فإن البرنامج الوطني لعملة الحضائر سواء في المجال الفلاحي أو غيرها من مجالات عمل الإدارة على المستوى الوطني والجهوي وحتى المحلي يشغل عشرات الآلاف من الأجراء غالبيتهم يشغلون وظائف وهمية ويعتبر راتبهم منحة بطالة مقنعة. نفس الوضع ينطبق على شركات البيئة بالحوض المنجمي وفي قابس وصفاقس، حيث تهم كل هذه البرامج حوالي 100 ألف عائلة تونسية.

رؤية آفاق تونس:

يعتبر آفاق تونس أن للدولة دور تلعبه لتجعل من حريّة كل التونسيين واقع حقيقي، وحتى وإن لم تكن الضامن الحصري لتحقيق المساواة، فإنه يتعيّن عليها ضمان نفس الحقوق لكل التونسيات وكل التونسيين، كما عليها اتخاذ الإجراءات الضرورية من أجل تحسين وضعية الطبقات الأكثر حرمانا

ويعتقد آفاق تونس أنه على الدولة إرساء تضامن بين التونسيين، وبين الجهات، وبين الأجيال، وأن تشجع على ذلك. كما يجب أن تلعب الدولة دورا تعديليا في هذا المجال

التضامن بين التونسيين يتطلب تنفيذ سياسة طوعيّة لإعادة الادماج الاجتماعي لفائدة الطبقات الأكثر احتياجا، ولكن تستفيد منها أيضا كافة الطبقات الاجتماعية التي تعاني الاقصاء أو التي تعيش صعوبات يومية.

التضامن بين الطبقات الاجتماعية يتطلب أن يستهدف الدعم العائلات ذات الدخل الضعيف. لكن هذا المنوال الأكثر عدالة اجتماعيا لا يمكن أن يتعايش مع منوال الدعم غير المباشر، حيث يكون أكثر نجاعة للحدّ من الفوارق الاجتماعية والتقليص من الفقر توعية المواطنين. فالمواطنين الأكثر احتياجا يستفيدون من الدعم عبر صرف أجر أدنى (مساهمة) يعوّض الفارق بين السعر الحالي للمواد المدعمة والسعر الحقيقي للسوق. وأما بالنسبة لغير المحتاجين فيتعيّن عليهم ترشيد استهلاكهم لعدد من المواد وتقليص التبذير المجحف في بعض السلع ووسائل الراحة.

التضامن بين الأجيال، بالإضافة إلى كونه يساهم في حماية الأطفال وكبار السنّ، فإنه يجعل من التنمية المستدامة، التي ساهم آفاق تونس في إدراجها صلب الدستور الجديد، يجعل منها مسألة حتمية

ولتفادي كل ما من شأنه أن يعقّد التصرف في هذا المجال والنتائج المترتبة عن ذلك، وخاصة منها عدم المساواة والفساد على مستوى التحويلات الاجتماعية، يقترح آفاق تونس أجر أساسي أدنى مضمون لكل عائلة تونسية تستحقه، وهو ما سيمكن من التصرف في الدعم المباشر وتحسين مستوى عيش الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

البرامج الرئيسية العشرة:

1. يتعهد آفاق تونس بإرساء أجر أساسي أدنى مضمون غير خاضع لأي أداء أو أعباء اجتماعية في أجل 18 شهرا. وبالنسبة للمنتفعين الحاليين بالمساعدات الاجتماعية للعائلات، فإنه يتم تمتيعهم بالأجر الأساسي الأدنى المضمون إذا كان هذا الأجر أعلى من قيمة المساعدات التي يتحصلون عليها. وفي المقابل، إذا كانت المساعدات التي يتحصلون عليها حاليا أرفع من الأجر المقترح، فإنه يتم الرفع في قيمة هذا الأجر في حدود الفارق المسجل.

2. في إطار تركيز الأجر الأساسي الأدنى المضمون، يطلق آفاق تونس خلال نفس فترة الـ 18 شهرا برنامجا للمرور إلى الدعم المباشر للفئات المستهدفة. وخلال الستة أشهر الأولى من وصوله للسلطة، سيخوض آفاق تونس حملة توعوية لإعداد التحول نحو نظام الدعم المباشر، وذلك بتوضيح الهدف من أوجه الدعم وأهميتها بالنسبة للعائلات ذات الدخل الضعيف وأيضا أهمية حسن استهداف المنتفعين

3. سيعزّز آفاق تونس المراقبة على الحدود لمنع تصدير المواد المدعمة خلال الفترة الانتقالية. كل مصدّر للمواد المدعمة مطالب بإرجاع قيمة الدعم وفق معايير واضحة. كل مخالف مطالب بخلاص حيني لغرامة رادعة

4. بالإضافة إلى بالأجر الأساسي الأدنى المضمون، سيضع آفاق تونس سياسة طوعية لإعادة الاندماج الاجتماعي للطبقات الأكثر فقرا. تبلغ نسبة الفقر المالي في تونس 15 % من اجمالي السكان. ويبلغ مؤشر الفقر متعدّد الأبعاد، والذي يشمل سهولة النفاذ للخدمات العمومية ما نسبته 29 %، حيث أنه عائلة من اثنتان في الوسط الريفي تعتبر فقيرة وفق هذا المؤشر الجديد. فبالإضافة إلى الأجر الأساسي الأدنى المضمون، يتعهد آفاق تونس بتسريع استئصال هذا الفقر متعدد الأبعاد، عبر تأهيل العائلة المعوزة للعمل، وتطوير الكفاءة من خلال تكوين الكهول منها، مع أولوية استخدام شبكة مكاتب التشغيل لفائدة هذه العائلات

5. سنوفر للأكثر فقرا ظروف معيشية لائقة على مستوى المسكن عبر برنامج لتجديد المساكن التي لا توفر شروط العيش السليم وأيضا عبر تهيئة مناطق المساكن الاجتماعية وادماجها صلب المدن لمزج الطبقات الاجتماعية بالمدارس وفضاءات العيش المشتركة. وسيرتكز هذا البرنامج على موارد من ميزانية الدولة وعلى المدّ التضامني الوطني

6. سيضع آفاق تونس سياسة معزّزة لدعم الطلبة تهدف إلى تحسين الظروف المادية للحياة الطلابية. هنا يجب التمييز بين الطلبة من عائلات فقيرة والطلبة الذين لا يتوفر لعائلاتهم دخلا يمكن من التعهد الكامل بالدراسات الجامعية لأبنائهم والطلبة الذين يتوفر لعائلاتهم مداخيل قارة وكافية. يجب منح دعم معزّز للطلبة من العائلات الأكثر فقرا من خلال منحهم أولوية الاستفادة من المبيتات الجامعية على وجه الخصوص، وأيضا عبر التقليص من معاليم الدراسة وعبر تقديم مساعدة مالية مباشرة في صورة وقوع حادث عائلي كبير (وفاة عائل الأسرة).

7. سياسة أكثر فاعلية لمقاومة الإعاقة وتيسير اندماج حاملي الإعاقة. يوصي آفاق تونس باعتماد برنامج تقييم منذ الولادة والتشخيص المبكر للإعاقة عبر تكوين أطباء الأطفال وأخصائي النطق والعلاج الطبيعي. كما يعمل أيضا على وضع أحكاما قانونية تتعلق بالنهوض بالأشخاص حاملي الإعاقة وحمايتهم، ووضع برامج وخدمات موجهة لهم بهدف تيسير اندماجهم الاجتماعي ومساعدتهم على تجاوز صعوبات النفاذ لفرص الدراسة والتمكين والمشاركة والقيادة. سيقرب آفاق تونس الخدمات لهذه الفيئة باعتماد منصات الكترونية واعلام متخصص (إعادة تأهيل النقل العمومي، واسناد رخص سياقة ذات 10 سنوات صلوحية لفائدة الصمّ عوضا عن 3 سنوات صلوحية، وإقرار امتيازات جبائية وديوانية للسيارات المهيأة)، تسيير دخولهم للإدارات ومحطات النقل والمطارات ومراكز الصحة والمراكز الثقافية والرياضية، مع الحرص على ملاءمة البناءات للمعايير المعتمدة وتشجيع المؤسسات على اعتماد معايير المسؤولية المجتمعية. وأخيرا فإنه يمكن تحسين الاندماج المهني لحاملي الإعاقة عبر آليات تخصيص وضائف بالمؤسسات العمومية والخاصة مقابل إعفاءات من الأعباء الاجتماعية.

8. سينجز آفاق تونس عملية تدقيق لهياكل استقبال والتعهد بالأطفال بهدف وضع حد للانحرافات المسجلة في عدد منها. سيتم تدعيم سياسات المساعدة الاجتماعية للأطفال الضرورية لحسن تطوّرهم. سيتم أيضا إنشاء آليات تواصل بين المختصين والأطفال لمعرفة وجهات نظرهم في المسائل التي تهمهم في مجال التعليم والحماية، وللنهوض بآليات حمايتهم ضد المخاطر (الإرهاب والجريمة المنظمة والمخدرات والاتجار بالبشر والعنف والجرائم الجنسية …). التشجيع على وضع مواقع واب وألعاب موجهة للأطفال التونسيين ومساندة الأنشطة الثقافية الموجهة للأطفال وتشجيع بعث المراكز الثقافية والمتاحف التفاعلية لفائدة الأطفال. سيشجع آفاق تونس على إحداث مراكز إيواء جديدة متخصصة وخاصة بالجهات (أطفال الشوارع، المرأة المعنفة، والمسنين …)، مع إمكانية احداث مقار متعددة الاختصاصات (دار مسنين ومحضنة وقرية أطفال …)، وذلك بهدف وضع حدّ لعزلة كبار السن وخلق علاقات مودّة وتطوير خدمات الإيواء وتقوية إجراءات الرقابة على الخدمات المقدمة

9. يتعيّن على المجتمع المتضامن أن يطوّر باستمرار ظروف عيش كبار السن والحدّ من الفقر بيهم بتشجيع آليات مساندة المشاريع المنتجة بالنسبة لكبار السن القادرين على العمل. على الدولة أن تتعاون مع الجماعات المحلية ومع مكوّنات المجتمع المدني لتشجيع كبار السن على المشاركة والاندماج في المجتمع وذلك عبر برامج تنشيطية مخصصة لفائدتهم وعلى خلق نواد تعمل خلال ساعات النهار على تأطيرهم. كما أنه من الضروري تحديد حاجيات كبار السن الذين يعيشون بمفردهم وتقديم خدمات يومية لفائدتهم وتحسين ظروف عيشهم داخل مراكز الإيواء بصفة ملحوظة، وذلك خاصة عبر تدعيم تكوين أعوان الرعاية الصحيّة والمراقبة الدوريّة والوقائية لهياكل الاشراف مع تطبيق معايير مراقبة مدى احترام كراسات الشروط والأحكام التعاقدية المنطبقة في المجال

10. بهدف ضمان الشفافية والمساواة ومقاومة الفساد، سيتولى آفاق تونس فتح حساب بنكي أو بريدي رقمي لفائدة المنتفعين بالأجر الأساسي الأدنى المضمون وباقي المساعدات الاجتماعية والمنح، وذلك قصد توفير مسار شفاف ومتضمن لمساعدات الدولة.