من اجل نظام تقاعد منصف وضامن لكرامة كبارنا

الرهانات:

لم تفض المشاورات بين مختلف الفاعلين في نظام التقاعد إلى إصلاح شامل يسمح بتحمل ميزانيته مع تأمين نوع من الإنصاف والعدالة الاجتماعية. بالنظر إلى المصاعب الاجتماعية التي يعيشها عدد كبير من المتقاعدين اليوم من جهة والعجز المسجل لدى مختلف صناديق التقاعد من جهة أخرى، يصبح الوضع الراهن غير محتمل والإصلاح ضرورة عاجلة. التقاعد في تونس موزع على عدة أنظمة تدار من طرف الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية بالنسبة للقطاع العام ومن طرف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالنسبة للقطاع الخاص. ليس لهذا النظام صلة مباشرة بين المساهمات وخدمات التقاعد. إجمالا يقوم القطاع النشط بالتكفل برواتب المتقاعدين. يمكن لها النظام الاستمرار خلال العشريات الأولى من وجوده حيث يكون التطور السكاني مناسب مما يزيد في عدد المساهمين بالنسبة للمتقاعدين. بوصول هذا النظام سن النضج تختل عنده نسب الارتباط حيث يزداد عدد المتقاعدين بوتيرة أسرع من عدد المساهمين. بالنسبة للقطاع الخاص وحسب بيانات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، تدنت نسبة الناشطين إلى المتعاقدين من 17 سنوات الثمانينات إلى 4.2 في نهاية سنوات 2000.  و تطور متوسط عمر الإنسان من 51 سنة 1966 إلى 75 سنة 2015 وسيزداد هذا المتوسط سنة كل سبعة أعوام. كما تطورت نسبة الفئة العمرية للذين تجاوزوا 60 سنة 1970 من %2 إلى 11.4% سنة 2014وستصل إلى 15% سنة 2025.

بغض النظر عن التطور السكاني، توجد عوامل أخرى تفسر اختلال ميزانيات الصناديق الاجتماعية بالنسبة لمعاشات المتقاعدين والتي تتمثل أساسا في سوء الحوكمة. تمتعت هذه الصناديق فعليا بفوائض مهمة خلال سنوات عديدة دون أن يتم استعمالها على الوجه الأنجع. تعتبر نسب المساهمة في الصناديق الاجتماعية مرتفعة نسبيا خصوصا في الوظيفة العمومية وفي نظام الموظفين خارج القطاع الفلاحي. تعرضوا في الماضي إلى رفع مساهماتهم لعلاج الصعوبات المالية للصناديق. بخصوص الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية، تطورت نسبة مساهمة المنخرطين من 26.2% سنة 2007 إلى 35.2% سنة 2011. وبخصوص الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، تطورت النسبة من 23.75% سنة 2007 إلى 25.75% سنة 2009. وقد تم مؤخرا زيادة هذه النسبة في الوظيفة العمومية. تعتبر هذه المساهمات أداء ضريبي على العمل والذي يعتبر بدوره مرتفعا في تونس. إن زيادة الرفع في نسب هذه المساهمات ستشكل خطرا على تكلفة العمل بالمساهمة في ارتفاعه. وسيكون لهذا الأمر تبعات سلبية على التشغيل بالنظر إلى ضعف الإنتاجية خصوصا في بعض المهن.

بالإضافة إلى ذلك، فإن النسب المرتفعة للمساهمات تشجع على اللجوء إلى تخفيض التصريح في القطاع الخاص والذي يعتبر خسارة مباشرة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتزدهر عمالة السوق السوداء.

مما يعيق نظام التقاعد تداخل خدمات التأمين على المرض مع خدمات التصرف في جرايات المتفاعدين، إضافة على فصل صندوق القطاع العام عن صندوق القطاع الخاص.

رؤية آفاق تونس:

تستند رؤيتنا على مجموعة من الإصلاحات تضع كرامة متقاعدينا وتركيز نظام تقاعد دائم كأولوية للخطوات الموالية. ترتكز اقتراحاتنا على إصلاحات تمس أساسا السن القانوني للتقاعد وتشجيع الأنظمة التكميلية ومستوى الجرايات. ستعالج الإصلاحات الهيكلية جوانب الحوكمة ورافعات جديدة لتمويل الصناديق الاجتماعية ومواءمة التراتيب التشريعية المعمول بها. ضرورة بعض الإصلاحات الرمزية مثل إعادة إدماج النظم الخاصة والتي ستكون فرصة للسلط العمومية لإعطاء المثل

10 برامج رئيسية:

1. تأخير السن القانوني للتقاعد: واجب تأخر القيام به أكثر مما يجب. ما يبرر هذا الإصلاح هو هاجس الإنصاف بين الأجيال. يجب أن يتطور السن القانوني للتقاعد مع تطور متوسط الأعمار. وخلاف ذلك، فإن الديون المنجرة ستتعاقب وتتراكم من جيل لآخر مما يضعف بشكل خطير تماسك مالية نظام التقاعد

2. المغادرة الباكرة: تقترح آفاق تونس إصلاحا أساسيا يسمح للأشخاص الذين أمضوا مدة طويلة في العمل إمكانية المغادرة المبكرة. وهذا ما يرفع الحيف على الفئة التي التحقت بالعمل في عمر مبك

3. إصلاح تدريجي: لتفادي التحول المفاجئ مع ارتفاع معدل الأعمار على مدة محددة. سيتم اعتماد نظام معياري لاحتساب النقاط يسمح للأشخاص الذين لا يرغبون بتمديد حياتهم المهنية بالمغادرة المبكرة وخفض نسبة التعويض

4. القدرة الشرائية للمتقاعدين الذين عملوا طوال حياتهم في مجتمع متضامن يتوجب أن يكونوا موضع إهتمام دائم. توصي آفاق تونس بتبني قاعدة معيارية واضحة للجرايات ترتكز على مؤشر متكون من متغيرين التضخم ونسبة النمو الاقتصادي. يمكن التشاور مع الأطراف الاجتماعية على كيفية ترجيح هذين المتغيرين (تضخم/نمو). بهذا الشكل ستكون الجرايات مرتبطة جزئيا بالتضخم مما يسمح بالحفاظ على القدرة الشرائية للمتقاعد وكذلك على النمو الاقتصادي من جهة أخرى والذي يسمح بإعادة توزيع ثمار هذه التنمية

5. صندوق اجتماعي وحيد يتصرف في نظام التقاعد: يتمثل في توحيد أنظمة التقاعد الخاص والعمومي وتكريس هيكل لهذا الشأن الهام دون أن يكون بعلاقة خاصة بالتأمين على المرض ولا بمختلف المنح والمساعدات الاجتماعية. سيكفل هذا الصندوق بجمع مساهمات التقاعد ويتكفل الصندوق الوطني للتأمين على المرض بمساهمات التأمين على المرض

6. رقمنة الإجراءات والتصاريح  عن طريق اعتماد المعرف الوحيد ونظام معلومات مناسب. إسناد رمز لكل حساب شخصي  حيث يتمكن كل مساهم من معرفة وضعيته في ما يخص مساهماته.

7. حقوق الإنسان: ستحذف آفاق تونس كل القوانين والنصوص التي تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان، مثل عدم اعتماد مساهمات أصحاب الرواتب التي تقل عن 2/3 الأجر الأدنى، أو مثل عدم احتساب مدة التربصات في رأس المال عند الوفاة الخ…

8. التأمين على الحياة: استعمال منتجات التأمين على الحياة لتنشيط الادخار طويل الأمد والذي سيتم تحفيزه بامتيازات جبائية.

9. أسس تصرف نشطة لصندوق التقاعد العمومي يتم ضبطها في إطار قانون مستلهم من خيرة الممارسات الدولية بخصوص التصرف الموارد على المدى الطويل لبلد نامي. لم يكن التصرف السابق في الصناديق الاجتماعية ناجعا خلال السنوات المضيئة، يتوجب القيام بأفضل من ذلك بكثير في السنوات المقبلة، وهذا أكثر صعوبة بخصوص النسبة مساهمات/جرايات

10. الأنظمة الخاصة: سيتم إعادة النظر في الأنظمة الخاصة المعطاءة كمثال. لا يمكن للسلط العمومية أن تطلب من المواطنين بذل جهود مالية إذا لم تعط هي نفسها المثل أولا. سيكون الأثر المالي محدود، ولكن الهدف يبقى على الصعيد الرمزي يبين أن حمل وزن هذه الإصلاحات يقع على الجميع